رجل العالم المريض

رجل العالم المريض

«أي كلب هو ذلك الكافر حتى نخافه؟.. إنني لا أخشى على منصبي ولا على رأسي، إن الأوامر الواردة تشير بالهجوم، لا ضير من نقص خمسة أو عشرة أشخاص من كل سفينة، ألا توجد غيرة على الإسلام؟ ألا يُصان شرف البادشاه؟!»..

هكذا صرخ برتو باشا قائد الأسطول العثماني في معركة ليبانتو (7 أكتوبر 1571م)، وهي واحدة من أكبر الحروب البحرية في التاريخ، وكان طرفها المقابل أسطول التحالف المسيحي الأوروبي بقيادة دون جون، وهو ابن غير شرعي للإمبراطور الإسباني كارلوس الثاني، ويعتبرها المؤرخون البداية الفعلية لأفول الامبراطورية العثمانية التي عاشت لعقود طويلة أعز أيام مجدها.

لم يعتبر المؤرخون صرخة برتو باشا بداية النهاية بسبب الهزيمة وحدها، ولكن لأن القائد البحري العثماني اعتمد خطابا عاطفيا تحريضيا غير معتمد على الحقائق، بدلا من أن يبحث عدة وعتاد أسطوله وإمكانات أسطول الخصم، ويتخذ قرارا عقلانيا يضمن له النصر أو الانسحاب من المعركة، فكانت المعركة المسمار الأول في نعش العثمانيين وبداية التفكك والأفول اللذين انتهيا بإطلاق القيصر الروسي لقب «رجل أوروبا المريض» على الامبراطورية في الربع الأخير من القرن الثامن عشر.

ويمكن القول إن بداية أفول العالمين العربي والإسلامي الحالي تعود إلى عهود التحرر من الاستعمار الغربي في خمسينات وستينات القرن الماضي، إذ سادت العاطفة وانتشرت الصرخات الهستيرية النشوانة بخروج الاستعمار، والتي استعاضت بميكروفونات الإذاعات والخطب الجماهيرية الرنانة عن بناء دول قوية ونسج البنى الأساسية لوحدة عربية أو إسلامية حقيقية، تتيح للأمة أن تقوى شوكتها وأن تنعم بخيرات بلادها بعيدا عن مطامع المستعمر.

وأن تبقى الهيبة موجودة في نفوس العالم وأن تنمو لعالمنا العربي عضلات نستعرضها في وجه أعدائه وليس في وجوه بعضنا البعض، وأن نستعيض بعزتنا أمام العالم بدلا من التفاخر الكاذب في ما بيننا، والرضوخ والانسحاق أمام الأجنبي، سواء بالأقوال في الغرف المغلقة أو بالأفعال في ساحات المعارك التي خسرنا أغلبها، وتحول جنودنا فيها إلى أسرى يذبحون كالخراف، فيما يرقص بعضنا شماتة في أخيه الذي انتفخت أوداجه رياء وكذبا.

هذا الحال انتهى بنا إلى أن نصبح رجل العالم المريض، فلا عز عربيا يصان ولا دولة بقيت مرهوبة الجانب، وانتقلت السخرية من كونها سخرية بالمواطن العربي والمسلم إلى سخرية بالعروبة التي تحولت إلى نمط متخلف في الحياة، وسخرية بالإسلام بل ورب الإسلام ونبي الإسلام.. وهذا ما انعكس في قضية الرسوم الدنماركية .

والتي أعقبها واحد من المتطرفين بفيلم عن القرآن الكريم، وانعكس كذلك في تصريحات وفاء سلطان الكارهة لنفسها والتي انهالت سبا وتحطيما للذات الإسلامية وتمجيدا للذات اليهودية وللصليبيين الجدد الذين يرفعون رايات العداوة للإسلام وأهله، ويخلطون الحق بالباطل في محاربته.

وطبيعي أن تستفز المشاعر فيخرج الناس في العالم الإسلامي للتظاهر وإعلان غضبهم.. والتساؤل: هل يكفي إعلان الغضب؟ هل تكفي مقاطعة السلع الدنماركية والأوروبية، أم أن ذلك يمثل صرخة عاطفية جوفاء مثل صرخات برتو باشا التي لم تمنع هزيمة، ولم توقف انهيار امبراطورية؟

جميع قادتنا وحكامنا يعرفون جيدا أن الغضب والمقاطعة، وإن كانا دليل حياة على أن الرجل الإسلامي المريض لم يمت بعد، إلا أنهما فعل للحاضر وحده أما المستقبل فينبغي أن تكون له حسبة أخرى، وتتطلب هذه الحسبة أن نسأل أنفسنا هل نحن عرب ومسلمون حقا أم أننا بشر جرت عولمتهم وأجبروا على وضع عروبتهم في متحف التاريخ وحبسوا إسلامهم وراء عتبات المساجد لا يغادرها أبدا؟

إذا كانت الإجابة بنعم، ماذا نحن فاعلون للإمساك بتلابيب القوة والبحث عن عز حقيقي حالي، بدلا من الهروب إلى عزنا الذي بات أجوف ولم يغادر أضابير التاريخ ليتلبسنا؟ كيف نبني الدولة القوية التي حلمنا بها على مدى عقود؟ كيف نحل مشاكلنا المتراكمة والتي حولتنا إلى أضحوكة؟ كيف نغزل دولة تقوم على العلم والتكنولوجيا والتصنيع؟ كيف نكتفي ذاتيا من السلع الأساسية فنزرع الأرض المتروكة، ونستثمر القوة البشرية المتاحة في مشاريع مشتركة بدلا من تركها فريسة للبطالة والفقر؟

ألف سؤال وسؤال، وألف معضلة تتطلب حلا، وألف باب للحضارة والتقدم يمكن لنا أن نلجه، لكننا نتخلص من المسؤولية ويتقاذفها بعضنا بعضا، وتتعامل الدول الصغيرة مع الكبيرة بمنطق اليهود: «اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون».

نحن نحتاج إلى انتفاضة تخرجنا من صفحات التاريخ إلى أرض الواقع،وتحولنا من كائنات افتراضية إلى حقيقة تجبر العالم على احترامها.

مجدي شندي

اخويه العزيز مجدي

موضوعك جدأ مهم
بس اذا كل واحد يكول انا شعليه مثل ماهو الوضع حاليا بكل مكان كلشي مراح نسوي
ولا راح نقدم ولا اناخر
مشكورين على الموضوع وتحياتي الك

» اقوى واروع عشر سيارات في العالم
» بطوله كاس العالم 2006 لكره القدم