صناعة الطاغية

موضوع: صناعة الطاغية السبت يونيو 07, 2008 5:12 pm

صناعة الطاغية

لحاجتي الشديدة إلي مصادر علمية تعزز البحث الذي أشتغل عليه، لجأت لأعداد قديمة من مجلات ثقافية دورية عراقية، كمجلتي(الأقلام)و آفاق عربية)، علني أحصل منها علي بغيتي، وبعد يوم طويل من البحث والتقصي، خرجت بنتيجة مرة ما كنت مهيأة لها، وربما أفسدت علي يومي، إذ اضطررت لقراءة كثير من الإرث الثقافي الذي خلفه الشعراء والأدباء العراقيون والعرب في تمجيد القائد الضرورة، وحارس البوابة الشرقية، الذي يعد أول طاغية عربي يكشف النقاب عن طغيانه، لكنه بالتأكيد ليس آخر زعيم عربي يستحق وصف (الطاغية) فالطغاة العرب يسرحون ويمرحون في وطننا العربي الكبير، المحزن أن هؤلاء الطغاة لم ينبتوا كنبتة شيطانية أو تقذف بهم مركبة فضائية من علياء، بل اشتركت و شاركت بشكل كبير الأقلام المأجورة و المرتزقة في صناعتهم وفي الترويج لمجدهم الكاذب، مما يستوجب هنا أن نطرح سؤالا خبيثا:

هل تشعر تلك الأقلام بالعار والخجل بعد أن أطيح بصنم صدام حسين في ذاك اليوم المشهود؟

وبعد أن تحولت بطولته المزعومة إلي طغيان وتجبر، أم أن الأمر لم يعد يعنيهم بعد قبضهم الثمن؟

لكن التاريخ لا يقرأ هكذا، فقد تموت الطاغية، ويموت المغني، لكن القصيدة تبقي مكتوبة تلوح بأصابع التنديد لتذكرنا بسقوطهما معا، حتي لو انفض المولد أو العرس، لأن الأغنيات تبقي ما دامت هناك ذاكرة توثق، لتشهد علي انحطاط تلك الأقلام وانتهازيتها، فها هي القصائد أمامي مكتوبة، تختزن وتختزل بداخلها حقبة طويلة من مرارة الناس، ومن سقوط سماسرة الكلمة، وسقوط لأقلامهم المأجورة، كما تشهد علي زمن أهدرت فيه الأموال التي كان الشعب أحوج لها؛علي الملتقيات الثقافية والمهرجانات الشعرية التي علي شاكلة مهرجان (المربد) حيث وجهت لي الدعوة شخصيا عدة مرات، ولم ألب أيا منها، ربما لأنني لا أجهل الغرض من وراء هذا المهرجان، الذي جاءه الشعراء المنفوخون المحملون بنرجسيتهم وبخيلائهم وتعاليهم ليصدحوا ملء حناجرهم بالغناء للقائد المغوار، وقد تساءلت هذا النهار بما يشبه التشفي سؤالا لا يخلو من لؤم: لو لم يفوّت الموت علي الشاعر نزار قباني فرصة مشاهدة صنم صدام حسين وهو يتهاوي، هل كان سيدلي ببيان يعتذر فيه عما قاله في صدام يوما: (لقد جئت لبغداد مكسورا، فإذا بصدام يلصق أجزائي، وجئت كافرا بممارسات العرب، وإذا بصدام يرد لي إيماني ويشد أعصابي، وهكذا أنا أعود من بغداد ممتلئا بالشمس والعافية، فشكرا لصدام الذي قطّر في عيوني اللون الأخضر) وإذا كنا قد ذكرنا نزار قباني كمثال، فإن مقالتنا بطولها لن تتسع لحصر هؤلاء الأدباء والكتاب والشعراء العرب الذي ملئوا أرصدتهم في البنوك مقابل مديحهم ونفاقهم ونفخهم كما تنفخ البالونات في صدام حسين، أو غيره من طغاة العرب، ليس حبا بهم وإنما حبا بعطاياهم من عملات نقدية صعبة، وهنا تتموضح ميزة أو بركات كتابة التاريخ، الذي يغربل الأحداث والبشر ليضع كلا منا في خانة يستحقها أو لا يستحقها، التاريخ نفسه الذي حفظ لنا حتي اللحظة أسماء مفكرين وشعراء قتلوا لأنهم دافعوا بشرف عن شرف الكلمة، وأدباء وشعراء آخرين باعوا شرفهم للسلطة، وإلا ما معني أن نقرأ اليوم ونستعيد باحتقار شديد ما قاله ابن هانئ الأندلسي في المعز لدين الله الفاطمي:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
وكأنما أنت النبي محمد وكأنما أنصارك الأنصار

لأن استخدام السلطة للفكر والأقلام ليس جديدا ولا وليد اللحظة؛بل يكاد يكون إرثا عربيا تأسس منذ تنبه السلاطين في عهودهم الغابرة لاستخدام جلاوزة السيف والقلم بحسب تعبير د.علي الوردي، إذ يبذلون من الأموال علي الأقلام المأجورة ما يبذلونه علي آلة الحرب، ويغدقون العطايا والهبات علي مداحيهم، لا يصمد أمامها إلا من آمن بأن كلمته سيف صارم، فكيف للسيف أن يغدو....؟

بقلم : بشري ناصر -كاتبة قطرية

احسنت اخي وجزاك الله خير على الموضوع , ولكن اود ان اقول انه هذا هو حال الشعراء والمغنين يا اخي العزيز ينعقون مع كل ناعق وراينا كيف الذين يغنون للوطن اليوم هم انفسهم الذين غنوا لهدام لعنه الله ...... شكرا على مشاركتك

شكرا لك اخي للموضوع